موضوع الجدال
أنا سيدة في الثانية والأربعين من عمري.. زوجة لرجل فاضل وإنسان بمعني الكلمة, وقد أنجبت منه علي مدي12 عاما ثلاثة أطفال أكبرهم في الحادية عشرة من عمره, وأصغرهم وهي بنت جميلة وذكية في الرابعة من عمرها.
والحق أنها ليست الرسالة الاولي التي أكتب اليك فيها, فلقد كتبت لك من قبل رسالة لم أبعث بها اليك, لانني لم استأذن زوجي في كتابتها, وحين قرأتها عليه شعرت بأنه ليس راضيا عنها فمزقتها.
وكانت المشكلة التي أردت تحكيمك فيها بيني وبينه هي انني موظفة حكومية وزوجي موظف صغير بأحد بنوك القطاع العام, وينفق مرتبه كله في البيت فلا يكفي لذلك, بالرغم من انه لا يدخن ولا يجلس في مقهي, وكان لهذا السبب يأخذ مني مرتبي كله ليكمل به نفقات البيت ومطالب الأبناء, ولم أكن أعترض علي ذلك لكني كنت أريد فقط أن يترك لي جزءا من مرتبي ولو ربعه لكي أشعر بأنني موظفة وأتقاضي أجرا عن عملي ولي مصروف خاص, وكان يغضب هو لذلك, ونتجادل حول هذا الأمر, ونختلف حول مشاركتي بمرتبي كله في مصروف الأسرة. هل هو فرض علي كما كان يقول زوجي مادامت هناك ضرورة, أم أنه تطوع كما كنت أقول وأري ان الرجل هو المسئول الاول والوحيد عن تلبية مطالب اسرته, والآن ياسيدي فلقد توقف الجدال بيني وبينه حول هذا الامر, وليته لم يتوقف. فلقد ظهرت في حياتنا منذ أربع سنوات مشكلة أخري طغت علي كل المشاكل وجعلت منها ترفا نتحسر عليه الآن ونتمني لو كان قد استمر, فلقد اصبت بالمرض اللعين في صدري منذ أربع سنوات. وقال لي الأطباء انني محظوظة لاكتشافه مبكرا, وحمدت الله علي ذلك وتقبلت الأمر برضا ولم اجزع له لانني مؤمنة بأننا لن نهرب من اقدارنا مهما اردنا, واجريت لي الجراحة بنجاح والحمد لله.. وظلت حالتي الصحية جيدة بعدها فعشت حياة طبيعية ورحت اقوم بخدمة زوجي واطفالي واشارك في المناسبات الاجتماعية واقيم حفلات أعياد الميلاد للأبناء, وأضع التورتات بنفسي وادعو الاهل والاقارب, ونسيت تماما انني قد ابتليت بهذا المرض كما طلب مني الطبيب ان افعل, واستمر الحال علي هذا النحو لمدة عامين, ثم فجأة تدهورت حالتي وبدأ المرض ينتشر في جسمي, وتمسكت بصبري وايماني ورضيت بما اختاره لي ربي وتلقيت العلاج من جديد وما أدراك ما عذابه وما آثاره الجانبية, وتحملت كل شيء في جلد وصلابة, واخفيت معاناتي عن زوجي واطفالي.. حتي كانت طفلتي تتعجب للطاقية التي أغطي بها رأسي وتسألني عن سبب ارتدائي لها دائما فأشغلها عن السؤال بشيء آخر. أما زوجي فلقد وقف الي جواري في محنتي وراح يشد أزري ويخفف عني ويذهب معي من طبيب الي آخر ويذكرني بمواعيد الدواء ويصبر علي ظروفي الصحية التي لم تعد تسمح لي بأن اكون زوجة كاملة له منذ شهور, ولم يعد له مطلب في الحياة سوي ان يستطيع ذات يوم ان يهييء لي زيارة بيت الله الحرام.. وقد اشتركنا في جمعية ادخار.. لكي نتمكن من اداء فريضة الحج في المستقبل, لكن العمر يجري ولا أحد يدري هل يتسع لتحقيق هذه الأمنية الغالية أم لا, واني اتعجب الآن من حالنا.. فلقد كانت المشكلة التي نتجادل حولها من قبل هي مرتبي وهل احتفظ لنفسي بقدر منه أم أنفقه كله علي البيت, فنسينا هذه المشكلة الآن تماما, وادركنا كم كانت تافهة واصبحت المشكلة هي هل يكتب الله لي الشفاء في القريب العاجل أم لا.؟ وهل يتسع العمر لتحقيق أمنية الحج أم لن يتسع؟. فهل تعرف ياسيدي بعض الجمعيات أو الهيئات التي يمكن أن تساعدنا علي تحقيق هذه الأمنية في حدود امكانياتنا البسيطة؟
««ولكاتبة هذه الرسالة اقول»»
لو اتيح للانسان أن يطلع علي ما تخبئه له الايام لاستخسر أن يبدد الاوقات الخالية من مشاكل الحياة الحقيقية في الشقاء بما لا يستحق الشقاء به, ولأحسن الاستمتاع بأوقات السعادة الصافية من كل الأكدار وغبط نفسه عليها.. ورجا ربه أن يطيل أمدها في رحلته ويحفظها عليه.. لكن متي اتيح للانسان أن يعرف ما سوف تحمله له امواج الحياة في قادم الايام, ليسعد بحياته الحالية ويدرك كم هو سعيد الحظ لخلوها من الآلام الجادة؟
اننا للاسف لا نتنبه الي ذلك إلا حين تداهمنا اختبارات الحياة القاسية, ولا ندرك قيمة السعادة المتاحة لنا إلا بالمقارنة مع ما نواجهه فيما بعد من أحزان وشقاء, ولو ألهمنا الحكمة في الوقت المناسب لأبينا أن نبدد لحظة واحدة من الأيام الخالية فيما لا يستحق العناء من اجله او الشكوي منه, ولادخرنا كل قوانا النفسية والصحية لمواجهة ما تخبئه لنا أمواج الحياة من أنواء, تماما كما يستثمر الملاح أوقات هدوء الرياح في الراحة والاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة, لكي يستنفر كل طاقته للسيطرة علي السفينة حين تهب عليها أعاصير الشتاء, ولأن الأمر كذلك فلا عجب في أن يتواري موضوع الجدال القديم من حياتك ياسيدتي ويصبح بالمقارنة بما امتحنتك به الأقدار فيما بعد, ترفا تتحسرين علي انقضائه وتتمنين لو كان قد استمر الي ما لا نهاية.
فأما موضوع الجدال الجديد في حياتك فإن ايمانك العميق بربك وتسليمك بارادته وامتثالك لقضائه سوف يحسمه لصالحك باذن الله فيتحقق الشفاء التام حين يأذن به ربك إن شاء الله, ويتسع العمر لزيارة بيت الله الحرام وقبر رسوله الكريم بإذن الله. والمهم ان نستمسك دائما بالأمل في رحمة الله, وأن نؤمن كذلك بحقنا العادل في الحياة, وفي الغد الافضل الذي تتحقق فيه الأمنيات. فالايمان بالله جزء جوهري من العلاج, والامل الغلاب في الشفاء يسرع به الي المريض والثقة في الله وحسن الظن به من أهم عوامل النجاة باذن الله.. وتفضلي بالاتصال بي مساء الاثنين المقبل لنستكمل الحديث حول كل ذلك إن شاء الله.