تكرار القصة
تعودت قراءة بريدك منذ سنوات طويلة وأرجو أن أجد عندك بعض ما تقدمه لقرائك من العون والمشورة, فأنا سيدة في الثانية والستين من عمري أقيم بالإسكندرية وقد توفي زوجي وأنا في الثلاثين وترك لي ابنتين جميلتين في سن المراهقة, وتقدم إلي حينذاك رجال كثيرون يرغبون في الزواج مني, لكني رفضت الزواج خوفا علي بنتي الجميلتين من وجود رجل غريب في حياتنا, ودفنت شبابي وجمالي لكي أربي البنتين وأسعد بزواجهما واحفادي منهما في المستقبل, وبذلت لهما الكثير من التضحيات حتي تعلمتا وحصلت كل منهما علي شهادتها ووظيفتها, ثم اهديت الأولي لرجل أعمال ناجح, والأخري لمحام شاب, وأقول إنني أهديتهما لزوجيهما لأنهما فعلا هدية بحق من جمال وثقافة وخلق وطبع لين واستقرت كل منهما في بيت زوجها وانجبت منه وسعدت بحياتها معه, وشعرت بأنني قد أكملت رسالتي في الحياة, استرحت واطمأننت وتفرغت للعبادة وإدارة شئون بيتي ومشاهدة التليفزيون وقراءة الصحف والسمر مع بنتي وأحفادي واستقبالهم في بيتي من حين لآخر, لكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن فلقد توفي زوج ابنتي الثانية منذ ثماني سنوات وترك لها ثلاثة أولاد, وبدأت قصتي مع الحياة تتكرر مرة أخري أمام ناظري مع ابنتي, وبدأت أخاف عليها من الوحدة والحرمان العاطفي اللذين عانيت منهما معظم سنوات عمري, وبدأت أحس بها كلما ذهبت أو غدت أمامي بجمالها ورقتها وتدينها واشفق عليها, ولقد تقدم إليها كثيرون للزواج منها فرفضتهم بحجة الخوف علي أولادها من زوج لا يكون رحيما بهم أو أمينها عليهم, وتجادلني حين أحدثها عن ضرورة زواجها, بأنني لم أتزوج بعد أبيها وكرست حياتي لطفلتيا, وأجادلها بدوري بأن ذريتي كانت من البنات فخشيت عليهن من زوج أم قد لا يرحم أو سيء اليهن أما ابناؤها فذكور ولا خوف عليهم إن هي تزوجت من رجل مناسب, فأرجو منك أن تحدثها عن الرجال الطيبين الذين يمكن أن تسعد مع أحدهم ويكون أمينا علي أولادها, فهي في الأربعين من عمرها وشكلها يوحي بأصغر كثيرا من سنها فهل تفعل ذلك من أجلي وأجلها.
««:ولكاتبة هذه الرسالة أقول»»
افعل بإذن الله.. وأقول لابنتك الغالية إنه ليس من الضروري أن تكرري قصة أمك في الحياة, ولا أن تحرمي نفسك من حقك المشروع في الحياة الآمنة المستقرة مع زوج مناسب يكون أمينا عليك وعلي ابنائك, أو مع رجل يجد لديك الحل الملائم لمشكلته الشخصية والأم البديلة لأبنائه الحياري, فالحياة لا تخلو أبدا من الأمناء الرحماء الذين يرعون حدود ربهم في معاملاتهم وعلاقاتهم مع شركاء الحياة, ولا من الرجال الذين يعرفون عن حق أن رعاية الأيتام قربي عظيمة الشأن لخالقهم ترشحهم للجزاء الأوفي في الدنيا والآخرة.., فاطرحي الشك والتردد جانبا.. وتفتحي للحياة من جديد وثقي بأنك لا تسئين الي ابنائك بالزواج مرة أخري وإنما تحسنين إليهم لابد فالأبناء يحتاجون إلي أب بديل, كما يحتاج ابناء الأرمل أو المطلق إلي أم بديلة, واتحاد الأهداف, والاشتراك في الألم قد يعين الطرفين علي التعامل السليم مع حياتهما ويرشح ارتباطهما للنجاح والاستمرار.. كما أن من حق والدلتك الفاضلة بعد رحلتها الطويلة من العطاء لك ولأختك أن يطمئن جانبها باستقرارك في حياة زوجية جديدة, وبالثقة بأنك لن تتجرعي كؤوس الوحدة والحرمان التي تجرعتها من قبل وشكرا.